واستغرب موسى أن لا يلتفت أحد من ذلك الجمع الكبير من الرجال إليهما، فيأخذ بيدهما، ويسقي لهما ما يروي غنمهما ويزيل عطشهما، كما تقضي بذلك المروءة والرجولة والنجدة، لا سيما وهما المرأتان الوحيدتان من بينهم جميعا، إذ كان رجال مدين هم الذين يقومون بالسقي من دون النساء كما يفهم من السياق، فلم يلبث أن تقدم إليهما سائلا مستفسرا، ولم تلبثا أن عبرتا له في جواب موجز، لكنه جامع مانع، عن حالهما وعن حال كبير أسرتهما الذي بلغ من الكبر عتيا، فأصبح عاجزا عن الحضور، بنفسه لسقي الماء بدلا منهما، وذلك ما يتضمنه قوله تعالى حكاية عنه وعنهما:{قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} قال جار الله الزمخشري: " وإنما فعل هذا رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف، والمعنى: أنه وصل إلى ذلك الماء وقد ازدحمت عليه أمة من أناس مختلفة، متكافئة العدد، ورأى الضعيفتين من ورائهم، مع غنيمتهما، مترقبتين لفراغهم، فما أخطأت همته في دين الله تلك الفرصة، مع ما كان به من النصب وسقوط خف القدم والجوع، ولكنه رحمهما فأغاثهما، وكفاهما أمر السقي في مثل تلك الزحمة بقوة قلبه وقوة ساعده، وما آتاه الله من الفضل، في متانة الفطرة، ورصانة الجبلة، وفيه على ما كان به من انتهاز فرصة الاحتساب ترغيب في الخير، وانتهاز فرصه، وبعث على الاقتداء في ذلك بالصالحين، والأخذ بسيرهم ومذاهبهم " انتهى ما قاله الزمخشري.