شبهة أو ريبة يمكن أن تحمل عليها، وكما أحسن موسى إلى بنتي (صالح مدين) عندما سقى لهما، وأراحهما من عناء السقي وطول الانتظار من دون سابق معرفة، ها هو أبوهما الصالح يرى من واجبه أن يقابل الإحسان بالإحسان، وأن يبادر بدعوة موسى إلى ضيافته، واستقباله في بيته مع أعضاء أسرته لمكافأته، وإن لم يكن يعرف عنه إلا مجرد الملامح التي وصفتها له بنته الكبرى وبنته الصغرى.
وأجاب موسى الدعوة التي وجهها إليه صالح مدين على لسان بنته تصديقا لخبرها، فحضر من دون تأخر إلى بيته، ولما تعرف بعضهما إلى بعض، وجد كل منهما في الآخر ما يحببه في الصحبة والمرافقة، نظرا لما وجداه بينهما من مشاكلة وموافقة، وأفضى موسى بذات نفسه إلى صالح مدين، فما وسعه إلا أن يسليه عما فات، ويطمئنه على ما هو آت {فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
وحيث أن صالح مدين كانت له أغنام ولم يكن لديه أجير يرعى غنمه، وإنما كانت بنتاه هما اللتان تسوقان الغنم مكان الرعاة، لكونه لا عون له سواهما، فقد انتهزت إحدى بنتيه فرصة وجود موسى ضيفا على أبيها، واقترحت عليه أن يستأجر موسى ليتولى رعي الغنم، وتستريح هي وأختها من عبئها المضني {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} ودعمت ترشيحها موسى لهذه المهمة بكونه يتوفر فيه وصفان اثنان قلما يجتمعان في كثير من الناس، وكل منهما له أهمية بالغة بالنسبة لأية مهمة، صغر شأنها