بكل وجه، رجاء أن يعفى من تكاليف التبليغ، ومواجهة طاغية كبير يضرب به المثل في العدوان والطغيان في كل الأزمان {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ}.
ثم تعلل بكونه ليس فصيح اللسان، ولا قوي التعبير والبيان، كأخيه هارون، وكأنه يشير من طرف خفي إلى ترشيح أخيه بدلا منه لهذه المهمة الخطيرة، وذلك قوله فيما حكاه عنه كتاب الله:{وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا}.
ثم يقول متلطفا متعقبا: {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِداً (رِدْءًا) يُصَدِّقُنِي} والردء: بمعنى المعين، {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ}. لكن الحق سبحانه وتعالى أكد تكليف موسى بالذهاب إلى فرعون، وأنعم عليه في نفس الوقت بالتصديق على مؤازرة أخيه هارون فيما وكله إليه {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ}.
وتهدئة لروع موسى وتأمينا له من كل خوف تعهد الحق سبحانه وتعالى برعايته ورعاية أخيه، وحمايتهما من كل أذى، وبشرهما بأن الغلبة في النهاية ستكون لهما ولمن اتبعهما على الحق، ومعنى ذلك ان الهزيمة ستكون عاقبة فرعون وملائه، وهذا التعهد الإلهي النافذ هو ما نطق به قول الله تعالى في نفس السياق:{وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ}.
قال جار الله الزمخشري: " فإن قلت ما الفائدة في تصديق أخيه (ردا يصدقني)؟ قلت: ليس الغرض بتصديقه أن يقول له: