صدقت، أو يقول للناس: صدق موسى، وإنما هو ان يلخص بلسانه الحق، ويبسط القول فيه، ويجادل به الكفار، كما يفعل الرجل المنطيق ذو العارضة، فذلك جار مجرى التصديق المفيد، كما يصدق القول بالبرهان ".
ومضى كتاب الله يقص على نبيه والمؤمنين كيف ذهب موسى إلى فرعون وملائه، ويحكي الحوار الذي دار بين الفريقين، فقال تعالى:{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ * وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} وهذه لهجة خالية من المباهاة والعناد، مرغوب في استعمالها عند القيام بالدعوة والإرشاد، ثم قال تعالى:{إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}.
وعرض كتاب الله بعد ذلك ما قام به فرعون من مغالطة مكشوفة، تأييد لعقيدته الفاسدة، وتثبيتا لها في نفوس الأغرار والأغمار من قومه، مستعينا بهامان مستشار دولته، والمدافع عن عقيدته {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} أي أنا مالك رقابكم الوحيد، الذي تلزمكم طاعتي والخضوع لأمري دون غيري {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى}، وما دام أي بناء ولو بلغ أعلى عليين، لا يصل متسلقه إلى عرش رب العالمين، لكونه لا يحده زمان ولا مكان، ولا يدركه بصر أي إنسان، فسيتخذ فرعون من ذلك ذريعة لإنكار الألوهية، ويجعل موسى امام الملأ موضع