وشاءت قدرة الله أن يكون قيام موسى بتبليغ دعوته المقرون بالقضاء على فرعون ودولته، تمهيدا لإكرام موسى بنزول التوراة عليه، وإقامة نظام جديد مستمد من الوحي الإلهي ومستند إليه، فقد مضى على الإنسانية قبله زمن طويل لم تعرف فيه أي مرشد أو دليل، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}.
وبعدما تلا كتاب الله على رسوله الأمي الأمين، نبأ موسى وفرعون بالحق المبين، توجه إليه بالخطاب المستطاب، ممتنا بما قصه عليه من أمرهما في محكم الكتاب، فقال تعالى مخاطبا لخاتم أنبيائه ورسله:{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ}، و " الغربي " هنا وصف للمكان الواقع في شق الغرب من " الطور، حيث تلقى موسى عنده أمر ربه، وقال تعالى مخاطبا له مرة ثانية:{وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} أي ما كنت مقيما بين أظهرهم، فتروي لأمتك خبرهم وخبر إقامة موسى عندهم {تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا}. وقال تعالى مخاطبا له مرة ثالثة:{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ} أي طور سيناء أو " طور سينين " كما جاء في سورة التين {إِذْ نَادَيْنَا} أي ليلة المناجاة والتكليم، لموسى الكليم.
وهكذا يذكر كتاب الله خاتم رسله بالمراحل التي قطعها موسى في حياته قبل أن يولد هو ويبعث بقرون، ويعرفه بالوقائع والمواقع التي تألفت منها قصة موسى بدءا وختاما، الأمر الذي لا