وضرب الله المثل، لمن اغتنم فرصة ظهور الرسالة الخاتمة، ونزول الكتاب الخاتم، فبادر إلى الدخول في حظيرة الإسلام، بفريق من أهل الكتاب ما كادوا يسمعون رسول الله يتلو كتاب الله حتى أعلنوا إيمانهم، وأرضوا ضميرهم ووجدانهم، واعترفوا بأن ما جاء به من عند الله هو الحق الذي لا غبار عليه، وان مرد كل شيء إليه، مؤكدين علاوة على ذلك، أنهم كانوا على بينة من أمر هذا الكتاب، قبل أن ينزل ويرفع عنه الحجاب، وذلك ما يتحدث عنه كتاب الله إذ يقول:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ}.
ويكرم الله هذا الفريق الذي لم يفرق في الإيمان، بين كتب الله ورسله، إذ آمن بخاتم الرسل وخاتم الكتب، فيثيبهم على إيمانهم ثوابا مضاعفا، حيث إن " الكتابي " الذي أدركه الإسلام كان مخاطبا من جهة نبيه أولا، ثم خوطب من جهة نبينا ثانيا، فلما أجاب نبينا واتبعه، بعدما أجاب نبيه واتبعه، فاز بالحسنيين، وكان له أجر الملتين، وذلك ما ينطق بمعناه كتاب الله إذ يقول:{أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}.
ونظرا إلى ما يتعرض له هذا الفريق من أهل الكتاب الذين دخلوا في الإسلام، وأقروا برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، من أذى أهل ملتهم الأولى، الذين أصروا عليها عنادا واستكبارا، واخذوا على عاتقهم محاربة الإسلام سرا وجهارا، فقد وصف