ينزلها عليهم، فإذا لم يستجيبوا لله ورسوله ولم يهتدوا بكتابه سقطت حجتهم، وبطلت معذرتهم، ونفذ قضاء الله فيهم، فأهلكهم ماديا ومعنويا، اجتماعيا وسياسيا، وذلك ما يتضمنه قوله تعالى:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ}، على غرار قوله تعالى في آية أخرى:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}[هود: ١١٧].
والمراد " بالقرى " في كلتا الآيتين نفس المدن الآهلة بالسكان، التي يكون لها من قوة الإشعاع والتوجيه شأن وأي شأن، لا ذلك المعنى المتعارف اليوم في تصنيف المدن والقرى، واعتبار القرية دون المدينة، و " أم القرى " هنا هي كبرى المدن التي تكون عاصمة لها أو بمنزلة العاصمة، كما كانت مكة عند ظهور الإسلام بالنسبة للعرب.
وبعدما بينت الآيات السابقة عاقبة السوء التي تؤدي إليها الأثرة والأنانية والبطر، التفت كتاب الله إلى أولئك المنهمكين في جمع الحطام من الحلال والحرام، الذين تملكتهم شهوة الطمع والشره، ففقدوا راحتهم وانسهم ونسوا الله فأنساهم أنفسهم، ملوحا لهم بالتخفيف من حدة التعب والنصب، والتعفف والاعتدال في الطلب، مذكرا إياهم بالمصير المحتوم، في انتظار اليوم المعلوم، الذي يجب له الاستعداد، والتزود بخير الزاد، وذلك ما يقتضيه قوله تعالى في هذا الخطاب، الذي لا يتذوق معناه إلا أولو الألباب: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا