البشر من كوارث ونكبات، بأن الطغيان بالنعمة والغرور بها وسوء التصرف فيها، والاستكبار على الحق والخلق من أجلها، وعدم التوجه بالشكر إلى الله الذي أنعم بها، يؤدي حتما إلى زوالها، وقطع دابر أهلها بالمرة، وذلك قوله تعالى:{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ}. وهذه الآية تحمل في طياتها تعريضا بأهل مكة، وإنذارا مباشرا لسادتها وكبرائها الذي ألفوا العيش الغض في رفاهية وترف لا نظير لهما عند بقية العرب، بفضل التجارة الواسعة التي كانوا يحتكرونها، ويسيرون قوافلها جنوبا وشمالا في ظلال الأمن الوارف، فما زادهم ذلك الأمن والاستقرار، إلا استكبارا على استكبار.
وتعرض كتاب الله في هذا السياق للحديث عن مبدأ أساسي في الإسلام يتجلى فيه العدل الإلهي المطابق، والرحمة الإلهية الواسعة، وهذا المبدأ الأساسي يتألف من شقين اثنين:
الشق الأول: أن الله تعالى لا يعاقب قوما ولا يهلكهم إلا إذا تعدوا حدود الله، وأصبح الظلم شيمتهم، والفساد في الأرض خطتهم، فلم يعودوا صالحين للخلافة عن الله فيها بعمارتها، وحسن التصرف في طيباتها.
والشق الثاني: أن الله تعالى لا يهمل القوم الظالمين، ولكنه يمهلهم ويملي لهم، ويوجه إليهم الإنذار تلو الإنذار، والإعذار تلو الإعذار، عن طريق الرسل الذين يبعثهم إليهم، والكتب التي