وعاد كتاب الله إلى الحديث عن أحوال وأقوال المتثاقلين عن الاستجابة لله ولرسوله، فقد زعموا انهم لو آمنوا بالله، واعتصموا بحبل الله، للحقهم ضرر كبير، وشر مستطير، متعللين بأن الجمهرة الغالبة من الناس مجمعة على خلافهم، لا تومن بهذا الدين، ولا تصدق رسالة رسوله الأمين، فإذا آمنوا وحدهم أصبحوا عرضة للانتقام والعدوان، ونالهم ما لا يطيقونه من الذل والهوان، وقد كان هذا القول هو قول مشركي مكة قبل أن يسلموا، وهو قول أمثالهم في كل جيل، وذلك هو ما يحكيه كتاب الله عنهم إذ يقول:{وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا}.
لكن كتاب الله بادر إلى إبطال مزاعم مشركي مكة في الحين، مذكرا لهم بأن القداسة التي تتمتع بها مكة، والحرمة التي اختصت بها وعاشوا في ظلها، إنما منحها لها الله جل جلاله، فهو الذي جعلها مقر البيت الحرام، حتى أصبحت موضع التوقير والاحترام عند جميع الأقوام {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا} وهذه الخاصية في عهد الجاهلية، لن ترتفع عنها إذا تطهرت من الشرك والمشركين، وعادت من جديد مهد الملة الحنيفية، بل ستصبح مكانتها أعظم وأكبر، وسيصبح ذكرها في العالم أسير وأشهر {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.
وذكر كتاب الله كل من عنده المام ولو قليل بما تعاقب على