وبهذه المناسبة التي أبرز فيها كتاب الله بعض مظاهر الحكمة الإلهية الكبرى، والتدبير الإلهي العظيم، أعاد النداء الأول الموجه إلى المشركين بنفس الصيغة التي سبقت من قبل، تسفيها لرأيهم، وإبطالا لزعمهم من جديد، فقال تعالى:{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ}.
وختم هذا الربع بخطاب موجه إلى كل من يجادل في صحة الإيمان وصدق القرآن، يطالبه إن استطاع بتقديم الحجة والبرهان، حتى إذا ما عجز عن الاحتجاج لإثبات معتقده، سقط في يده، وذلك قوله تعالى:{وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}.
والمراد " بالشهيد " هنا على سبيل الأصالة رسول كل أمة فهو الذي يشهد على أمته {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ}[المائدة: ١٠٩]، ويشهد لهذا قوله تعالى في آية أخرى:{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}[النساء: ٤١]، ويندرج تحت كلمة " شهيد "" بالتبع للرسول " مجموع الشهداء من أمته، مصدقا لقوله تعالى:{لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[البقرة: ١٤٣].