قومه لن يتراجعوا عن ضلالهم القديم، ولن يومنوا بدعوته التي جاء بها من عند الله، لم يقف مكتوف اليد، بل قرر هجرهم والبعد عنهم، والانتقال إلى مكان آخر أنسب لدعوته، وإلى قوم آخرين أكثر استعدادا لقبولها {وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي}، وبذلك سن لذريته من بعده سنة الهجرة، حتى قيل:" لكل نبي هجرة "، فهاجر محيي ملته، ومجدد دعوته، خاتم الأنبياء والمرسلين من مكة إلى المدينة، وإنما قال {إِلَى رَبِّي} لأنه لم يهاجر إلى أي مكان كان بدافع شخصي، بل ولى وجهه بالخصوص نحو المكان الذي أمره الله بالتوجه إليه، ثم ذيل إبراهيم ذلك بقوله:{إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} اقتناعا منه بأن الله تعالى لن يكله إلى نفسه متى فارق قومه، بل سيحميه من مكرهم ومكر كل ذي مكر، لأنه سبحانه (عزيز){وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[المنافقون: ٨] وإيمانا منه بأن تصرفات الله في خلقه كلها حكمة وسداد، وأن الإذن له بالهجرة بشير سعد وفأل خير، لأنه سبحانه (حكيم){إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
وإكراما من الله لإبراهيم الخليل أقر عينه ووهب له من فضله ذرية صالحة كانت على رأس الصالحين من عباده، وذلك قوله تعالى هنا:{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} على غرار قوله تعالى في آية أخرى: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا}[مريم: ٤٩]. أما إسحاق فهو ولد إبراهيم الأكبر، وأما يعقوب