وقوله تعالى:{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ}، الوارد استطرادا في سياق هذه الآيات، خطاب لرسوله الأعظم، يدعوه إلى حمد الله وشكره، على ما أوضح من الحجج الساطعة، والبراهين القاطعة، وإن عمى عنها الجاحدون، وتنكر لها المعاندون.
وأورد كتاب الله في هذا السياق آية تصف جحود رؤساء الشرك - قبل أن يسلم منهم من أسلم - لنعمة الله التي أنعم بها على سكان مكة كافة، إذ جعل بلدهم - بفضله وكرمه - (حرما آمنا) يتمتع بالقداسة والاحترام، ومأمناً لهم وللوافدين عليهم من كل عدوان وانتقام، وكان من حقهم، بل من واجبهم، أن يشكروا نعمة الله، ويدخلوا في دين الله، وذلك قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} على غرار قوله تعالى في آية أخرى: {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ}(١٤: ٢٨).
وحيث إن المعارضين للحق، والمضللين للخلق، لا يخلو الواحد منهم من أحد أمرين: إما أن يكون (كاذبا) يعمل على ترويج الباطل، وإما أن يكون (مكذبا) يعمل على إبطال الحق، وقد يجمع الواحد منهم بين الأمرين فيكون كاذبا ومكذبا، فقد تصدى لهم كتاب الله بما هم أهله، وأشار من طرف خفي إلى أن ما هم عليه من كبر واستعلاء له أثر كبير فيما ينشرونه وينصرونه من الكذب والهراء، فقال تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ}.