لكن من آمنوا بالحق وصدقوا بالرسالة، وجاهدوا في نشرها ونصرتها والدفاع عنها، سيسلك بهم ربهم مسالك النجاة والنجاح، وستصحبهم العناية الإلهية في الغدو والرواح، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في ختام سورة العنكبوت:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.
ومن هنا ننتقل بعون الله وتسديده إلى (سورة الروم) المكية أيضا، وقد جاءت مبدوءة بحروف الهجاء المقطعة، وهي خامس سورة وردت على هذا الشكل على التوالي في نسق واحد، وإنما سميت (سورة الروم) لقوله تعالى في فاتحتها {بسم الله الرحمن الرحيم الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} الآية. وورد في سنن الترمذي ما خلاصته: أن الفرس كانوا يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم، لأنهم وإياهم (أهل الكتاب) وفي ذلك ورد قوله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} بينما كان مشركو قريش يحبون ظهور فارس، لأنهم وإياهم (ليسوا بأهل الكتاب) ولا إيمان ببعث، فلما أنزل الله هذه الآية خرج أبو بكر يصيح في نواحي مكة:{الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ} وعندما مضت سبع سنين ظهرت الروم على فارس، فأسلم عند ذلك ناس كثير، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وكان ذلك تصديقا لقول الله تعالى:{وعد الله لا يخلف الله وعده}(٣٠: ٦).