والمهيمن على قيامه ووحدة نظامه، وذلك قوله تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}، قال جار الله الزمخشري موضحا لمعنى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ}: (من اهتم بالشيء عقد عليه طرفه، وسدد إليه نظره، وقوم له وجهه مقبلا عليه) وقال أبو حيان في توضيح معنى (الفطرة): (رجح الحذاق أن الفطرة هي القابلية التي في الطفل للنظر في مصنوعات الله، والاستدلال بها على وجوده، فيؤمن به ويتبع شرائعه، لكن قد تعرض له عوارض تصرفه عن ذلك، كتهويد أبويه له وتنصيرهما، وإغواء شياطين الإنس والجن)، ونقل القرطبي عن شيخه أبي العباس قوله في تحليل معنى الفطرة:(إن الله تعالى خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات، فما دامت باقية على ذلك القبول وعلى تلك الأهلية أدركت الحق، ودين الإسلام هو الدين الحق).
وقوله تعالى هنا:{لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} إما أن يكون خبرا بمعنى الطلب، وإما أن يكون خبرا على بابه، فعلى الوجه الأول يكون معناه النهي عن إفساد الفطرة وتغييرها بالتربية الفاسدة، والقدوة السيئة، والاعتقاد الباطل، والإبقاء على الفطرة كما خلقها الله، مع توجيهها في نفس الاتجاه، وعلى الوجه الثاني يكون معناه الإخبار بأنه لا تبديل للقابلية التي توجد في الطفل من قبل الخالق، فقد ساوى بين الناس في الفطرة السليمة وجعلهم فيها سواسية.