ثم أمر الحق سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بالإنابة إليه وتقواه، وإقامة الصلاة والاعتصام بحبل الله، وحذرهم مما كان عليه غيرهم من الفرقة والاختلاف، حتى يظلوا في أخوة وائتلاف، وذلك قوله تعالى:{مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.
وانتقل كتاب الله إلى وصف بعض الحالات النفسية التي يكون عليها ضعفاء النفوس وضعفاء الإيمان، عندما تنزل بهم نائبة من النوائب فيضطرهم الخوف والجزع، إلى أن يتوجهوا إلى الله بالدعاء، حتى إذا تخلصوا من أزماتهم أشركوا بالله غيره، ومن الشرك أن يتخذ الواحد منهم إلهه هواه، وذلك قوله تعالى:{وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ}، و (الضر) هنا الشدة، و (الرحمة) الخلاص منها {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ}، أي ليمعنوا في تجاهل نعمتنا والكفر بإحساننا، {فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}: هذا إشعار لهم بأن العذاب ينتظرهم، {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا}، أي: كتابا فيه حجة لهم وبرهان، {فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ}.
وكذلك الأمر إذا نالوا حسنة انبسطت لها أسارير وجوههم غبطة وسرورا، وإذا نزلت بهم سيئة أصابهم اليأس والقنوط، واعتبروا ما نزل بساحتهم لعنة وثبورا، وذلك قوله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا