ثم عقب كتاب الله على ذلك بما يفيد أن سعة الرزق لا تتعلق بإرادة الإنسان وحده، بل تتدخل فيها عدة عوامل، ومردها في النهاية كما في البداية إلى الله، ولذلك وجد بين الناس موسر ومعسر، ووجد في البلدان بلد يزخر بالثروات الطبيعية، وبلد يكاد يكون قاعا صفصفا، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
لكن كتاب الله بادر في الحين بالتوجه إلى كل من وسع الله رزقه، فعرفه بأن عليه في ماله حقوقا للغير، وطالبه بأداء تلك الحقوق لأصحابها كفاية لحاجتهم، وذكر على سبيل المثال ذوي القربى، والمساكين، وعابري السبيل، ممن تنقطع بهم الأسباب وهم في سفر، ولا يجدون ما ينفقون، وذلك قوله تعالى في نفس السياق:{فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وقدم (ذا القربى)، لأن بره فيه صدقة وصلة للرحم.
وقوله تعالى هنا:{لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ}، إشارة إلى أن الاعتبار بالنية والقصد، لا بمجرد الفعل وحده، ومعنى {وَجْهَ اللَّهِ} أن يكون العطاء خالصا لله، وسعيا في رضاه، نظير قوله تعالى في آية أخرى (٢٠: ٩٢): {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى}.