ثم انتقل كتاب الله إلى الموازنة بين الربا والزكاة، وما يحل بساحة المرابين من نقص مادي ونفسي، وما يناله المزكون من نماء مادي وروحي، فقال تعالى مخاطبا للفريق الأول:{وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} وقال تعالى مخاطبا للفريق الثاني: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}.
وهكذا أنذر الله المرابين الذين يمارسون الربا لتنمو أموالهم على حساب الآخرين، بأن أموالهم لا بد أن تؤول إلى نقصان، وإن كانت في الظاهر تنمو وتزداد باستمرار، والأعمال والأمور بخواتيمها، أما النقصان النفسي الذي يصيبهم فقد تضمنه قول الله تعالى فيما سبق من سورة البقرة (٢٧٥): {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}، وعلى العكس من ذلك بشر الله الذين لا يستغلون الخلق، بل يتبادلون النفع معهم، ويزكون أموالهم ابتغاء مرضاته، بنماء أرزاقهم، ومضاعفة ثوابهم، وهذا معنى قوله تعالى هنا:{فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}، على غرار قوله تعالى في آية أخرى (٢٤٥: ٢): {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}، وفي آية ثالثة:(٢٧٦: ٢): {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}، أي ينميها ويضاعفها.
ولتذكير الأشحاء والبخلاء من الأغنياء، المقصرين في أداء حقوق المعوزين والفقراء، بأنهم مدينون لله سبحانه بنعمة الإيجاد