{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ}، أي: يتفرقون: فريق في الجنة وفريق في السعير، {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ}، من (المهد والمهاد) بمعنى الفراش، أي: يوطئون لأنفسهم في القبر مضجعا مريحا، وفي الجنة مقرا فسيحا، {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}.
ثم لفت كتاب الله أنظار البشر جميعا إلى ما من عليهم به من تحريك الرياح وتصريفها، طبقا لنواميس كونية محكمة، تسهل عليهم الوصول إلى تحصيل منافعهم، وتحقيق مصالحهم في البر والبحر، فقال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ}، أي: مبشرات بالمطر، لأنها تسبقه وتتقدمه، {وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ}، وهي رحمة الغيث والخصب، {وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ}، أي: عند هبوب الرياح وغيرها من الوسائل الملائمة للملاحة في البحر {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}، والمراد (بالفضل) هنا الحصول على الرزق من طريق الكسب والتجارة ونحوها، {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، أي تتوجهون بالشكر لله على نعمه الظاهرة والباطنة.
وانتقل كتاب الله إلى مخاطبة خاتم أنبيائه ورسله، مذكرا إياه بالمآل الذي يصير إليه المجرمون المكذبون برسالات الله، ومعرفا له بمصير رسله والمؤمنين، وأنه نصر مؤزر من عند الله، وفتح مبين، فقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى