ووصف الحق سبحانه وتعالى كتابه بكونه:{هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} و (المحسنون) هم الذين أحسنوا فهمه، وأحسنوا تطبيقه، وأحسنوا الدفاع عنه، وراقبوا منزل الكتاب، فلم يهجروا الكتاب، وبذلك يكون (هدى لهم) فلا تختلط عليهم السبل، ولا يعمهم الجهل والضلال، ويكون (رحمة لهم) فلا تصيبهم الشرور والآفات، ولا تحل بساحتهم الأزمات تلو الأزمات، وإنما يندرجون في عداد المحسنين، فينعموا بهداية الله ورحمته، إذا أدوا ما عليهم من حقوق الله وحقوق العباد، وحق الله الأول: هو إقامة الصلاة على الوجه الأكمل ظاهرا وباطنا، والدوام عليها في أوقاتها دون انقطاع، وحق العباد الأول: هو إيتاء الزكاة للمعسرين، وحصولهم على ما يكفي حاجتهم من مال إخوانهم الموسرين، وهذان الحقان متلازمان لا يفترق أحدهما عن الآخر، ولا يغني أحدهما عن الآخر، ولذلك وصف كتاب الله المحسنين بقوله:{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}.
ثم قال تعالى:{وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} على غرار قوله تعالى في فاتحة سورة البقرة: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}، إشارة إلى أن الإيمان لا يكون تاما وكاملا إلا إذا اندرج فيه الإيمان بعالم الشهادة وعالم الغيب، والإيمان بالنشأة الأولى والنشأة الآخرة، لأنهما متلازمان تلازم المقدمة والنتيجة. والإيمان بالآخرة يتضمن الإيمان بجزاء الله، لمن ابتغى بعمله وجه الله، أما الإيمان بالشهادة دون الإيمان بالغيب فلا فضل فيه لأحد، إذ يستوي فيه المؤمن والكافر، والبر والفاجر ثم نوه كتاب الله