بهم أمواج البحر العاتية من كل جانب، فيحسون بالخطر الداهم، ويلجأون إلى الله خاشعين، داعين أن ينجيهم من الغرق، حتى إذا هدأت الأمواج وزال شبح الخطر، وانتهى السفر، عاد كل واحد إلى حالته التي كان عليها من قبل، ونسي الخطر والنجاة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ}، و (الظلل) هنا جمع ظلة، وهي كل ما أظلك من جبل أو سحاب أو غيرهما، فقد ترتفع الأمواج في البحر حتى تشبه الجبال، وقد تشبه في لونها وكثافتها (السحاب الثقال).
ومعنى قوله تعالى هنا:{فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} أي: من الذين نجوا من الغرق من بقي متوسطا في عمله، رغم ما شاهده من أهوال كانت حرية بأن تدفعه إلى المزيد من طاعة الله، شكرا على الخلاص والنجاة، وتفسير لفظ {مُقْتَصِدٌ} هنا بمعنى المتوسط في العمل مطابق لتفسيره في قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ}(٣٢: ٣٥)، على أن من الذين نجوا من خطر الغرق من عاهد الله، ثم نقض عهده وغدر، فكان (ختارا) ولم يشكر الله على نجاته، بل جحد وكفر، فكان (كفورا) كما قال تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ}.
ووجه كتاب الله الخطاب إلى الناس كافة، داعيا إياهم إلى تقوى الله والاستعداد لليوم الآخر، و (التقوى) هي السبيل الوحيد (لوقايتهم) من الآفات والعاهات، والشدائد والأزمات، فحول هذه