وأضاف كتاب الله إلى ما سبق من ظواهر الطبيعة ظاهرة كونية أخرى هي ظاهرة الملاحة، التي تقوم بها السفن في البحر فتطفو على سطح الماء، فلولا أن الله تعالى خلق الماء في البحر على الصفة التي يمكن معها جريان السفن، ولولا أن الله هدى الإنسان إلى الطريقة الصالحة لبناء السفن، وهداه إلى الكشف عن العلاقة القائمة بين كثافتها وكثافة الماء، ولولا أن الله هداه إلى معرفة التيارات المائية والهوائية المنتظمة، لبقيت البشرية، بسبب تعذر المواصلات البحرية، في قطيعة تامة، طيلة قرون وأجيال، ولما انتظم بين أبنائها تبادل ولا اتصال. قال الحسن البصري:(مفتاح البحار السفن، ومفتاح الأرض الطرق، ومفتاح السماء الدعاء)، وإلى هذه الظاهرة يشير قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ}، و (نعمة الله) هنا تصدق بلطفه وتسخيره للسفن في البحر، كما تصدق بما تحمله السفن من صادرات وواردات، وما تقوم به من مبادلات تجارية نافعة. وذكر (الصبر والشكر) في هذا السياق مناسب للمقام غاية المناسبة، فالملاحة البحرية لا يقوم بها ولا يتحمل مسؤوليتها إلا من تحلوا بالصبر، ومن جنى ثمارها وعرف قدرها لا يسعه إلا التوجه إلى الله بالحمد والشكر، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}.
وفي نطاق الملاحة بالبحر، وما يعرض لها من شدائد وأهوال، تولى كتاب الله وصف بعض الحالات التي قد يتعرض لها ركاب السفن، وما يصيبهم من انزعاج وهلع، عندما تحيط