كله، دون تفريق بين بلد وبلد وجنس وجنس، ودون تكاليف ولا مصاريف. وتحريك الرياح في الكرة الأرضية، الذي هو العامل الأكبر في إثارة السحب ونزول الأمطار، لا يقوى عليه إلا الله تعالى وحده، ولا يعلم مواعيده ومواعيد نزول المطر، ومبلغ كمياته قبل أن ينزل، على وجه التحقيق والتدقيق، إلا خالق الخلق ورازقهم.
ثم قال تعالى:{وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ}، وكلمة (ما) لفظ عام يشمل أولا تصوير الله للأجنة في الأرحام، {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ}(٦: ٣)، والعلم بما يستقر في الأرحام وما يسقط، {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}(٥: ٢٢)، والعلم بكون ما في الرحم ذكرا أو أنثى، واحدا أو متعددا، أبيض أو أشقر أو ملونا، ذكيا أو غبيا، سعيدا أو شقيا، طويلا أو قصيرا، غنيا أو فقيرا، معمرا أو قصير العمر، ويشمل العلم بمدة حمله هل تنقص عن المعتاد أم تزداد، أو تنتهي في الوقت المعتاد، على أن قوله تعالى:{مَا فِي الْأَرْحَامِ}، لا يخص أرحام النساء وحدهن، بل يشمل أرحام الحوامل من كل الإناث، سواء في ذلك إناث الإنسان وإناث غيره من الحيوان، فعلم الله تعالى محيط شامل، وإحصاؤه لخلقه إحصاء كامل، مصداقا لقوله تعالى في آية أخرى:{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ}(٨: ١٣)، وصدق الله العظيم إذ قال (٣٢: ٥٣): {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ}.