إلى صراطه المستقيم، ومما يندرج في هذا النوع من العذاب حدود الجرائم والقتل، والأسر في الحرب، والقحط والغلاء، واضطراب حبل الأمن في السلم، وأما (العذاب الأبعد) فهو عذاب الآخرة بشدائده وأهواله، على اختلاف أصنافه وأحواله، وإلى ذلك يشير قوله تعالى في إيجاز وإعجاز:{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى}، وهو العذاب الأصغر {دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ}، وهو العذاب الأبعد {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، فإن أفاد الأول في التأديب، لم تبق حاجة إلى ما فوقه من أنواع التعذيب، ومن لطائف التفسير ما نبه إليه فخر الدين الرازي في هذه الآية، من أن وصف عذاب الدنيا بكونه (قريبا) هو الذي يصلح للتخويف والإنذار، لا كونه صغيرا، لأن العذاب العاجل - وإن كان قليلا - يحترز منه الناس أكثر مما يحترزون من العذاب الشديد إذا كان آجلا، ووصف عذاب الآخرة بكونه (كبيرا وعظيما) هو الذي يصلح للتخويف والإنذار، لا كونه بعيدا، فاختار كتاب الله في كلا العذابين الوصف الذي هو أصلح للتخويف بهما، بدلا من مقابلهما غير المناسب، ولذلك قال في عذاب الدنيا:{الْعَذَابِ الْأَدْنَى}، ولم يقل العذاب الأصغر، وقال في عذاب الآخرة:{الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ}، ولم يقل العذاب الأبعد.
وعقَّب كتاب الله على ما ذكره من وصف أحوال الفريقين ووصف مصيرهما في الدار الآخرة، بأنه لا ظالم لنفسه أظلم ممن عرض عليه كتاب الله، الذي فيه أهدى الهدى، وأحكم الحكمة، وشفاء الصدور من الشك والغم ومنتهى الرحمة، وبدلا من أن