يُقبِل عليه إقبال الظمآن على الماء يعرض عن آياته دون خجل ولا استحياء، وذلك، قوله تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}.
وعاد كتاب الله مرة أخرى إلى مخاطبة خاتم أنبيائه ورسله، مذكرا إياه، بأنه كما أنزل على موسى التوراة أنزل عليه الذكر الحكيم، {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}(٤٨: ٥)، وكما لاقى موسى العنت من فرعون وملئه، ومن بني إسرائيل أنفسهم، دون أن يتراجع أو يتقهقر، فإن خاتم الأنبياء والرسل لن يضيق ذرعا بما سيلقاه من عنت المشركين والكافرين، وكما اختار الحق سبحانه من بين ذرية موسى وقومه أئمة يهدونهم بين الفترة والأخرى، فسيختار من الأمة المحمدية أئمة عدولا يحملون هذا الدين، ويبلغونه للعالمين، ويجددون شبابه كلما احتاج للتجديد إلى يوم الدين، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}، وهذا الصبر نوعان: صبر على حمل الدين وممارسته بكل ثبات ويقين، وصبر على تحمل الأذى في سبيل حمله وتبليغه والدفاع عنه ضد هجمات المدعين والمبتدعين، وبالصبر مع العلم واليقين، تنال الإمامة في الدين.
ثم قال تعالى:{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}، إشارة إلى أن القول الفصل فيما بين البشر من نزاعات واختلافات حول العقائد والأديان، والحكم العدل فيها