أقدم العصور، في الدفاع عن سلامتها ضد الأخطار المحدقة بها، وقيامها بعزل العناصر الهدامة، وتقليم أظفارها، كلما أصبح نشاطها يشكل خطرا محققا عليها. قال أبو حيان:(والظاهر أن المنافقين انتهوا عما كانوا يؤذون به الرسول والمؤمنين، وتستر جميعهم وكفوا، خوفا من أن يقع بهم ما وقع القسم عليه، وهو الإغراء والجلاء، والأخذ والقتل).
غير أنهم لم يمتثلوا للانتهاء امتثالا عاما وشاملا، ولم تزل تبدو منهم نزوات، وتفلت منهم فلتات، فيتعرضون من أجلها لمعاملة استثنائية، دون أن ينفذ عليهم الوعيد الذي هم متوعدون به كاملا، ومن وجوه تلك المعاملة الاستثنائية إخراجهم من المسجد النبوي في بعض الأحيان، وعدم إقامة صلاة الجنازة على موتاهم، مصداقا لقوله تعالى:{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}، وما أنزل من الآيات للكشف عن مواقفهم في عدة وقائع ومواقع، ولا سيما ما نزل في حقهم في سورة التوبة.
ويلاحظ أن رسول الله تفادى عقابهم بالقتل، وإن كان هذا العقاب مسموحا به مبدئيا، بمقتضى قوله تعالى هنا:{أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا}، لأنهم كانوا مندسين في غمار أصحابه وعامتهم، ولو حكم بقتل أحدهم لاختلط الأمر فيه على الناس، ولتحدث المرجفون أن محمدا يقتل أصحابه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يترفع عن ذلك.
ونظرا لما عليه خصوم الرسالات الإلهية من الكبر والغرور،