وكما ضرب كتاب الله المثل في هذا السياق، بما عليه السماوات والأرض والجبال من إباء وإشفاق، سيضرب المثل في (سورة الحشر) بخشوع الجبل وتصدعه، من شدة التأثر بكتاب الله، والخشية من الله، إذ يقول (٢١: ٥٩): {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.
وتشمل (الأمانة) التي حملها الإنسان كل ما يؤتمن عليه من أمر ونهي، وشأن دين ودنيا، ويدخل في ذلك الحفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والنسل، وبالإجمال تشمل الأمانة قيام الإنسان بالواجبات كلها، أصولها وفروعها، على أن يتقبل العقاب إذا تخلى عنها، وينتظر الثواب إذا وفى بها، وكلما كان الشيء المؤتمن عليه مخفيا لا يطلع عليه إلا الله كان أحق بالحفظ وأولى بالرعاية.
وبعد ما نوه كتاب الله بشجاعة الإنسان وترشيح نفسه لحمل الأمانة، وقبوله لعرضها، والتزامه للقيام بحقها، أشار إلى ما يتعرض حياته من ضعف واختلال، يؤديان به إلى الانحراف والانحلال، {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}(٢٨: ٤)، فيظلم نفسه ويظلم غيره، ويتصرف في شؤونه تصرف الجاهل الذي لا يميز الضار من النافع، ولا يفرق بين الصالح والطالح، ذلك قوله تعالى تعقيبا على ما سبق:{إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}، أما