يقول الله تعالى هنا:{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا}، وهذا الفضل الذي آتاه الله إياه يظهر بشكل بارز في عدة مظاهر روحية ومادية:
المظهر الأول: تسبيح الجبال معه عندما يتلو (الزبور) الذي أنزله الله عليه، وإصغاء الطير أثناء تلاوته إليه، فالجبال تردد صدى صوته القوي العظيم، فيشترك في تمجيد الله في آن واحد الجماد والحيوان والإنسان، وتبرز من خلال تمجيد الله وتوحيده وحدة الأكوان، {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}(٤٤: ١٧)، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى وهو ينادي الجبال لتسبح الله مع نبيه داوود:{يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ}، وسيأتي في سورة (ص) قوله تعالى في شأن داوود عليه السلام (١٨): {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ}، وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوت أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وهو يقرأ في الليل، فوقف فاستمع لقراءته ثم قال:(لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داوود)، فأجابه أبو موسى قائلا:(لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا) والثوب (المحبر) هو المخطط بالألوان، أي: لجعلته لك أنواعا حسانا. قال القاضي أبو بكر (ابن العربي) تعليقا على نفس الحديث في سياق كلامه على هذه الآية: (فيه دليل على الإعجاب بحسن الصوت، والقلوب تخشع بالصوت الحسن كما تخضع للوجه الحسن، وما تتأثر به القلوب في التقوى أعظم في الأجر، والأصوات الحسنة