ظنا منهم أنهم يتصرفون في الكون ويعلمون الغيب، واستمر اعتقادهم الباطل، يتناقله جيل عن جيل، إلى حين ظهور الإسلام، فقد تصدى كتاب الله في سياق الحديث عن سليمان لإبطال هذا الاعتقاد الفاسد، مبينا أن الجن ليسوا إلا عبارة عن كائنات خفية، خاضعة لأمر الله، ومسؤولة عما كلفت به أمام الله، فليس للجن في الكون أمر ولا نهي، ولا سطوة ولا تأثير، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى واصفا تسخير سليمان لهم أثناء حياته:{وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ}، على غرار قوله تعالى فيما سبق من سورة الأنبياء (٨٢): {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ}، وقوله فيما سيأتي من سورة (ص: ٣٨ - ٣٧)، {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ}.
وللدلالة على أن علم الجن علم قاصر ومحدود، وأنهم لا يعلمون من الغيب شيئا، على خلاف ما يعتقده الأغرار البسطاء، أورد كتاب الله شاهدا على ذلك موت سليمان، مبينا أن الجن الذين كانوا يعلمون بين يديه لم يشعروا بموته، واستمروا على أداء الخدمات الشاقة التي عاقبهم بها، ظنا منهم أنه لا يزال حيا يملك ويحكم، ولولا أن (العصا) التي كان يتوكأ عليها أكلتها الأرضة وانكسرت، فسقط جثمانه على الأرض، لما أدرك الجن أنه مات، ولما توقفوا عما كان قد كلفهم به من الخدمات، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في نفس السياق: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ