لكن لما أعرض قوم سبأ عن عبادة الله وطاعته، وانصرفوا عن شكره على نعمته، بطرا وطغيانا، وجحودا وكفرانا، بدلهم الله من حال إلى حال، وسلط عليهم الكوارث والأهوال، فتهدم (سد مأرب) الذي كان يعد من أعاجيب العالم القديم، إذ كان أوسع السدود وأشهرها، (وهو يبعد عن مدينة صنعاء بنحو ستين ميلا، ولا تزال بقاياه ماثلة للعيان إلى الآن) وطغى ماء السد وماء السيل على ما كان عندهم من بساتين ومزارع وأبنية، فذهب العمران والازدهار، وحل محله الخراب والدمار، وذلك معنى قوله تعالى:{فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ}، و (العرم) السيل الذي لا يطاق.
يقول تعالى:{وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ}، ها هنا يبين كتاب الله ما حل بمزارعهم ومعايشهم من ضياع وإهمال، حيث تحولت البساتين والمزارع إلى غابات وأدغال، والمراد " بالخمط " كل شجر ذي شوك فيه مرارة، (والأثل) نوع من الخشب شبيه بالطرفاء لا ثمرة له في الغالب، و (السدر) شجر النبق، وبعدما أصبح السدر أحسن أشجارهم لم يبق منه إلا القليل. وإنما قال تعالى:{وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ}، لأجل (المشاكلة) بين النوعين، على غرار قوله تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}، إذ مثل هذا النبات الوحشي لا يسمى في