من رأي، وبهذا الأسلوب المزدوج، من تمحيص أمر الرسول والرسالة تمحيصا موضوعيا، دون عصبية ولا هوى، يثبت الحق ويزهق الباطل، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في إيجاز وإعجاز:{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ}، أي: بكلمة واحدة هي أجمع جوامع الكلم، {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ} أي: أن تقوموا للبحث عن الحقيقة وطلب الحق بكامل التجرد والإخلاص لوجه الله، {مَثْنَى}، أي: اثنين، عندما يكون الواحد منكم مع غيره، {وَفُرَادَى}، أي: واحد واحدا عندما يكون الواحد منكم منفردا بنفسه، {ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}، أي: منفردين ومجتمعين، وتستخدموا فكركم على فطرته وسجيته، وتقلبوا وجوه النظر في أمر الرسول وأمر الرسالة، قال جار الله الزمخشري:(أما الاثنان فيتفكران، ويعرض كل واحد منهما محصول فكره على صاحبه، وينظران فيه متصادقين متناصفين، لا يميل بهما إتباع الهوى، ولا ينبض لهما عرق عصبية، حتى يهجم بهما الفكر الصالح والنظر الصحيح، على جادة الحق وسننه، وكذلك الفرد، يفكر في نفسه بعد ونصفة، من غير (أن يكابرها، ويعرض فكره على عقله وذهنه، وما استقر عنده من عادات العقلاء ومجاري أحوالهم) ونقل القرطبي عن بعض المفسرين تعليقا على قوله تعالى هنا: {مَثْنَى وَفُرَادَى}: (أن العقل حجة الله على العباد، فأوفرهم عقلا أوفرهم حظا من الله، فإذا كانوا {فُرَادَى} كانت فكرة واحدة، وإذا كانوا {مَثْنَى} تقابل الذهنان، فتراءى من العلم لهما ما أضعف على الانفراد)، أي: ما زاد على الانفراد)، أضعافا مضاعفة.