ومتى أنعموا النظر على هذا الوجه المعتبر، رفضوا مزاعم المعاندين والمكذبين، وأدركوا عن علم ويقين، أن محمدا عليه الصلاة والسلام رسول الله حقا وصدقا، وأنه خاتم الرسل المبعوث إلى الخلق أجمعين، وبذلك يبطل تلقائيا قول من زعم أنه (ساحر) إذ لا أثر في أفعاله وأقواله لأي نوع من أنواع السحر، ويبطل قول من زعم أنه (شاعر) إذ لا تشابه بين آيات الذكر الحكيم وبين أي نوع من أنواع الشعر، ويبطل قول من زعم أنه (مجنون) إذ لا يبدو في تصرفاته وأحواله أي أثر من آثار الجنون. وكيف ينسب الجنون إلى من آتاه الله الكتاب والحكمة، وأكرمه بمزية التحصين والعصمة:{مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}.
وجريا على ما درج عليه الرسل صلوات الله وسلامه عليهم منذ أقدم القدم، من التطوع بتبليغ الرسالة إلى أقوامهم، والترفع عن تناول أي أجر على ما يقومون به من تبليغ رسالات ربهم، خاطب كتاب الله خاتم رسله قائلا:{قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.
ثم إن (الحق) لا بد أن ينتصر، و (الباطل)، لابد أن يندحر، وما على الرسول الأعظم إلا أن يضع كل من عنده شك أمام هذه الحقيقة الناصعة:{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ}، أي: يرمي به الباطل، فيدمغه فإذا هو زاهق، {عَلَّامُ الْغُيُوبِ * قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ}، أي: لا يبدئ الباطل لأهله خيرا ولا يعيده، لا في الدنيا ولا في الآخرة،