وسبق قوله تعالى في سورة الإسراء (٨١): {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}.
ومن المواقف الحاسمة التي طبقت فيها هذه الآيات الكريمة، في الوقت المناسب، والموقف المناسب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما فتح مكة ودخل الكعبة، ووجد حولها ثلاثمائة وستين صنما جعل يطعنها بسية قوسه ويقول:{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}، {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ}، و (سية القوس) ما عطف من طرفيها.
وردا على ما كان يزعمه المشركون من أن عقيدة التوحيد التي يدعو إليها رسول الله، ويبرهن عليها كتاب الله، إنما هي مجرد ضلال وانحراف، وأن الوثنية التي درجوا عليها هي الحق الصراح، أكد لهم الرسول عليه السلام بأمر من ربه أنه سيظل وفيا لعقيدة التوحيد، متمسكا بها، وداعيا إليها، حاملا رايتها، متحملا كل النتائج التي تترتب على الإيمان بها والدعوة إليها، بالرغم من كونهم يعتبرونها ضلالا وانحرافا، مهتديا بالمبدأ القرآني القويم، المطابق للمنطق السليم، {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}(١٥: ١٧)، وذلك قوله تعالى هنا:{قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي}، وهذا هو الشق الأول من الرد، أما الشق الثاني فقد جاء بأكثر مما كان ينتظر، إذ تضمن إشارة إلى أن قدرة العقل على التفكير الصحيح ومعرفة الحق، التي سبق التنبيه إليها عند قوله تعالى في الآية الأولى من هذا الربع، {ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}، هي وإن كانت أساسا للنظر، والوصول