الإنساني وإن بلغ ما بلغ من العتو والاستكبار، والادعاء العريض للسعة والغنى والتحكم في مجاري الأقدار، كان ولا يزال وسيظل يتعثر في أذيال الفقر والاحتياج باستمرار، وذلك قوله تعالى هنا يخاطب الناس جميعا، حتى يخففوا من غلوائهم، ويتراجعوا عن غرورهم وادعائهم:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ}، فقراء إلى توجيهه وهدايته، فقراء إلى توفيقه ورعايته، فقراء إلى رزقه ورحمته، فقراء إلى عفوه ومغفرته، وأنتم من بين جميع الخلائق أشد الخلائق افتقارا إليه، واضطرارا إلى الاعتماد عليه، لتنوع حاجاتكم، وكثرة رغباتكم، وما أنتم عليه من إغراق في الخيال، وتعلق شديد بالأماني والآمال، وعناد وإلحاح ودلال، {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}(٢٨: ٤)، فالفقر هو صفة الإنسان الطبيعية، وغناه الطارئ إنما هو مجرد عارية، والغنى الحقيقي والمطلق والدائم هو صفة الذات العلية {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ}، وكل ما تتقلبون فيه من النعم الظاهرة والباطنة إنما هو من صنع الله، وهبة مهداة إليكم من الله، وقوله تعالى:{الْحَمِيدُ} بعد وصفه (بالغني) إشارة إلى أن الحق سبحانه وتعالى وإن انفرد بوصف الغنى الحقيقي دون عباده الفقراء، فإنه لا يبخل عليهم بالإمداد المتواصل والعطاء، وإذن فليس في وصف الله لهم بالفقر أي تحقير أو ازدراء، وإنما هو نوع من الإثارة والتنبيه والإغراء، والذين يقدرون نعم الله عليهم حق قدرها، لابد أن يحمدوا المنعم بها ويؤدوا واجب شكرها، فهو (غني) يسد فقرهم، (حميد) يستحق شكرهم، {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}(٧: ٣٩).