ويكفي أن يتذكر الإنسان ما يصيبه من حيرة وذهول، عندما يفاجأ بما لم يكن في الحسبان، فتختل موازين حياته العادية، ويشعر بأنه قد نزلت بساحته أكبر داهية، وبذلك يظهر الفقر الطبيعي للإنسان، ويتجلى عجزه البالغ للعيان، ولا تعود حياته سيرتها الأولى إلا إذا حفته الألطاف الخفية، فمن الله عليه، وأمده من جديد بما يحتاج إليه، وصدق الله العظيم إذ قال في فاتحة هذه السورة:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
وتنبيها للغافلين السادرين في غفلتهم، وتحذيرا للعصاة المصرين على عصيانهم، المتمردين على طاعة الله، والمتعدين حدود الله، سواء كانوا أفرادا أو جماعات، شعوبا أو دولا أو حكومات، خاطبهم الحق سبحانه وتعالى منذرا ومحذرا، فقال تعالى:{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ}.
ذلك أن الله تعالى لم يستخلف الإنسان في الأرض ليفسد فيها ويسفك الدماء، ويمارس المنكر والفحشاء، وإنما استخلفه ليقيم فوق سطحها دولة الفضيلة والصلاح والعدل والإخاء، وهو سبحانه وتعالى قادر على أن يعاقب الإنسان بالسلب بعد العطاء، متى أخل برسالة الخلافة وأهملها، ولم يتعظ بعاقبة السوء التي أصابت كل من تنكر لها وعطلها، وصدق الله العظيم إذ قال (١٣٣: ٦): {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ}، وإذ قال (١٣٣: ٤: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ}.