وتذكيرا لرسوله الأمين، بما أصاب الرسل السالفين، وما تعرضت له رسالاتهم من طرف المكذبين، رغما عما رافقها وأيدها من المعجزات التي تثبت أنهم كانوا صادقين، وتعريفا للناس أجمعين، بما لحق أعداء الرسالات السابقة من العذاب المهين، قال تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ * وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ * ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}، أي: أن عقاب الله لهم كان فوق الوصف، فليحذر اللاحقون أن يعاقبوا بمثل ما عوقب به السابقون.
وبعد ما وصف كتاب الله جملة من أحوال المكذبين الضالين، وما يتعرضون له من شقاء في الدنيا وعذاب يوم الدين، استأنف كتاب الله دعوته المثلى، بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، فوجه الخطاب إلى كل إنسان عنده بصر وبصيرة، ليتفكر ويتدبر في ظواهر الكون الفسيح المحيط به، حتى يتكون عنده شيء من العلم بتلك الظواهر، فيسخرها وينتفع بها، وينطلق منها إلى الإيمان بوجود خالقها ووحدانيته، والاعتراف بقدرة مبدعها وحكمته، والاقرار بوجوب طاعته وعبادته، وذلك قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ