وإنما المراد أن الخشية على وجهها الصحيح الكامل لا يتصف بها إلا العالم الكامل، قال ابن كثير:(كلما كانت المعرفة به أتم، والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر) وقال القشيري: (من فقد العلم بالله فلا خشية له من الله)، وقال الربيع بن أنس:(من لم يخش الله تعالى فليس بعالم).
وقوله تعالى تعقيبا على ذلك:{إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}، إشارة إلى أنه بوصفه (عزيزا)، سيعامل المسيء بمقتضى (العزة)، وبوصفه (غفورا) سيعامل المحسن بمقتضى (المغفرة).
وانتقل كتاب الله إلى وصف حالة المؤمن المثالي، التي ينبغي أن يطمح إليها كل مؤمن. ويستخلص من الآيات الواردة في هذا الوصف أن المؤمن (المثالي) هو الذي يتخذ من كتاب الله دليله ورفيقه في حياته اليومية، وهو الذي يؤدي حقوق الله وحقوق العباد عن رغبة وطواعية، وهو الذي لا يختلف حاله في السر عن حاله في العلانية، وأضاف كتاب الله إلى هذا الوصف ما يكون عليه المؤمن (المثالي) من تفاؤل ورجاء، في حسن العاقبة وحسن الجزاء، فقال تعالى في وصف هذا الصنف من المؤمنين:{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ}، ثم قال تعالى:{إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}، إشارة إلى أنه تعالى يتولاهم بعفوه ومغفرته، ويثيبهم أجزل ثواب بمحض كرمه وإرادته.