أخرى، وسبق في سورة المائدة قوله تعالى (٦٦): {مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ}. وسبق في سورة لقمان قوله تعالى على لسان لقمان وهو يعظ ابنه (١٩): {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ}، من (القصد) بمعنى التوسط، على أن الشأن في المؤمن، إذا تورط في ظلم نفسه بارتكاب السيئات وتناول الموبقات، أن لا يصر عليها، وأن يتوب إلى الله منها، اعتمادا على الوعد الحق الذي وعد الله به المذنبين التائبين، إذ قال تعالى (٢٥: ٤٢): {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ}.
وقوله تعالى:{بِإِذْنِ اللَّهِ}، بعد قوله:{سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} تنبيه إلى أنه لا يرتفع إلى درجة السابقين المتقين، إلا من أعانه الله وشمله برعايته، فكان من الموفقين، وهذا المعنى هو الذي عبرت عنه بكل صراحة الآية الكريمة التي سبقت في سورة النور (٢١): {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا}.
ثم قال تعالى:{ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}، إشارة إلى نعمة (توريث القرآن العظيم لهذه الأمة، واصطفائها لأداء أسمى مهمة، وإما إلى نعمة السبق بالخيرات، ورفع الدرجات، وإما إلى نعمة التوفيق الحاصل بإذن الله، لمن وفقه الله، ولا مانع من أن تكون إشارة شاملة لهذه المعاني مجتمعة، إذ لا تناقض بينها، فكلها فضل كبير من الله، وعلى رأسها جميعا كتاب الله.