زالتا ما أمسكهما من أحد) فبالقوة الماسكة التي أودعها الله في السماوات والأرض حماهما من التصدع والانهيار، وأنعم على الإنسان بنعمة الطمأنينة والاستقرار، وذلك بالرغم مما يقترفه من الذنوب والأوزار:{إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}.
وسبق في التنبيه إلى هذه الظاهرة الكبرى قوله تعالى في سورة الرعد (٢): {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}، وقوله تعالى في سورة لقمان (١٠): {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}، قال القشيري:(أمسكهما بقدرته، وأتقنهما بحكمته، ورتبهما بمشيئته، وخلق أهلهما على موجب قضيته، فلا شبيه في إبقائهما وإفنائهما يساهمه، ولا شريك في وجودهما ونظامهما يقاسمه)، وسبق في سورة الحج قوله تعالى (٦٣): {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ}.
وانتقل كتاب الله مرة أخرى إلى الحديث عن أعداء الرسالات ومواقفهم الملتوية، وتقلباتهم المزرية، ومن بينهم أئمة الكفر وقادة الجاهلية، حيث أنهم اعتادوا أن يقسموا الأيمان الغليظة على استعدادهم لقبول الرسالة إذا جاءتهم، ويعلنوا رغبتهم في أن يكونوا أهدى من بقية الأمم التي سبقتهم، حتى إذا جاءهم الرسول المنتظر نفروا، واستكبروا ومكروا، ولم ينفع فيهم أي إنذار، وأصروا على الكفر أيما إصرار، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (٤٢) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ}، ثم قال تعالى تأكيدا