عنهم جميعا بإعلان إيمانه، والثبات عليه، والموت في سبيله، {مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً}، أي: إن كانت الواقعة أو العقوبة إلا صيحة واحدة، {فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}، إشارة إلى سرعة هلاكهم، وخمود حركتهم، كما تخمد النار فتصير رمادا.
ونظرا لما اتصف به الحق سبحانه وتعالى من رحمة بعباده، وحرص على هدايتهم والأخذ بيدهم، إنجازا لوعده بتمكينهم من وسائل الهداية حتى لا يبقوا هملا، ولا يتركوا سدى، مصداقا لقوله تعالى في سورة البقرة (٣٨): {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، وقوله تعالى في سورة طه (١٢٣): {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}، فان كتاب الله أراد أن يبرز للعالم أجمع مبلغ التعجب والاستغراب والأسى، الذي يوحي به موقف الضالين المعاندين، المعرضين عن هداية الله، والمكذبين برسله ورسالته، رغما عن كونها إنما جاءت لإنقاذهم، وهي منهم " على طرف الثمام "، مبينا لهم أنهم مهما طال عليهم الأمد، فلن يفلتوا من قبضة الله، وأنهم سيساقون جميعا إلى حضرته، ويقفون بين يدي جلاله وعظمته، ويا ويلهم من العقاب والعذاب، عند حلول يوم الحساب، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا بإيجاز وإعجاز:{يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ * وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}.