للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وحيث أن كثيرا من الناس تسيطر عليهم الغفلة والنسيان، وتستغرق شهواتهم وملذاتهم كل أوقاتهم، وإن طال عليهم العمر وامتد بهم الزمان، فلا يلتفتون إلى ما حولهم من آيات الله، {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}، (١٢: ١٠٥) ها هو كتاب الله يقرع أسماعهم من جديد، ويثير انتباههم إلى جملة من آياته الكونية الكبرى، عسى أن يستيقظوا من غفلتهم، ويلتفتوا إلى آياته في الآفاق وفي أنفسهم، التفاتة تدبر واعتبار، تنير منهم البصائر والأبصار:

أما الآية الكونية الأولى في هذا السياق فهي: الأرض التي جعلها الله للإنسان موطنا ومرتعا، ومستقرا ومستودعا، وذلك قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ}، أي: ليأكلوا مما خلق الله من الثمر، {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ}.

ومن غريب أمر الإنسان انه لا يقدر نعمة الله عليه بالأرض والماء، والنبات والغذاء، إلا عندما ينتشر القحط ويعم الجدب، فيصبح شبح الجوع والعطش أمامه ماثلا، ويصبح ميزان عيشه مختلا وشائلا، ويحس بقلق بالغ لا مزيد عليه، ويا ليته يرجع إلى الله ويدرك أنه لا ملجأ منه إلا إليه.

وقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ}، يتضمن الإشارة إلى معنيين جليلين: المعنى الأول: ما أبدعته القدرة الإلهية في النبات والإنسان،

<<  <  ج: ص:  >  >>