والعجز عن مسايرة الركبان، تولى الحق سبحانه وتعالى إعداده شيئا فشيئا لاستقبال الدار الآخرة، التي هي وحدها دار الخلود والإقامة، وهنالك ينال الإنسان ما هو أهل له عند ربه من المهانة أو الكرامة، {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}(٣٧: ٣٥).
وليبطل كتاب الله إحدى شبه المشركين الزائفة التي كان يروجها أعداء الرسول وخصوم الرسالة في فجر الإسلام، وهي ادعاء كون الرسول شاعرا، وكون الكتاب الذي جاء به من عند الله إنما هو من صنف الشعر المتعارف عند العرب، قال تعالى:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ}، لأن رسالة خاتم الأنبياء والمرسلين، التي أرسله الله بها إلى الناس كافة، أجل وأعلى من أن تنزل إلى مستوى الشعر والشعراء أجمعين، فهي مخالفة للشعر شكلا وموضوعا، أصولا وفروعا، ومنذ ذلك العصر تبخرت هذه الشبهة ولم يعد لها أي رواج. ومما نبه إليه القاضي أبو بكر (ابن العربي) في هذا المقام " أن قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ}، لا يتضمن عيب الشعر، كما أن قوله تعالى (٤٨: ٢٩): {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ}، لا يقتضي عيب الكتابة ".
ثم نطق كتاب الله بالقول الفصل في شأن القرآن وشأن الرسالة، فقال تعالى:{إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا}، أي: من كان حي القلب حي الضمير، أو كل حي على وجه الأرض، {وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ}، أي: لتقوم