للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نجيناه ومن آمن معه من الطوفان الذي سلطناه على الكافرين من قومه، {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}، لأن الكافرين من قومه بادوا مع ذرياتهم وماتوا غرقا، فلم يبق منهم عين ولا أثر، وإنما بقي منهم مجرد العبرة والخبر، ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى في آية أخرى (٤٨: ١١): {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

وتنويها برسالة نوح عليه السلام، وإبرازا لمكانته الخاصة عند الله وعند الناس، قال تعالى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ}، أي: أبقينا له ذكرا جميلا على مر الزمان، وسخرنا للسلام عليه كل لسان، ثم قال تعالى مبينا استحقاق نوح ومن سار على هديه لحسن الجزاء، وكونه أهلا لكل تنويه وثناء: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}، فالإيمان والإحسان هما الطريق الموصل إلى رضا الرحمن، ورضا الرحمن هو الوسيلة إلى زرع محبة الإنسان في قلب أخيه الإنسان، أما الذين وقفوا لنوح ورسالته بالمرصاد، فقد انتقم الله منهم شر انتقام، لأنهم طغوا في البلاد، وكانوا من شر العباد: {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ}، قال جار الله الزمخشري: " علل مجازاة نوح عليه السلام بتلك التكرمة السنية، من تبقية ذكره، وتسليم العالمين عليه إلى آخر الدهر، بأنه كان محسنا، ثم علل كونه محسنا بأنه كان عبدا مؤمنا، ليريك جلالة محل الإيمان، وأنه القصارى من صفات المدح والتعظيم، وليرغبك في تحصيله

<<  <  ج: ص:  >  >>