للآباء والأجداد في ضلالهم، وأصروا على اتباع آثارهم وحمل أوزارهم، قال تعالى تعقيبا على ما سبق:{إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ}، أي: وجدوهم على ضلال فاقتدوا بهم، {فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ}، أي: يسيرون عليها سيرا حثيثا، {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ}، ثم قال تعالى:{إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ}، استثناء من قوله تعالى:{أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ}، عقب قوله:{وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ}، أو استثناء من قوله تعالى:{عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ}، عقب قوله {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ}. ويصح أن يكون الاستثناء منهما معا، لأن " عباد الله المخلصين " اهتدوا فلم يكونوا، {مِنَ الضَّالِّينَ}، وسبقت لهم الحسنى والبشرى فلم يكونوا، {مِنَ الْمُنْذِرِينَ}.
وبعد ما أشار كتاب الله إلى المنذرين الذين أرسلهم الله لإنذار الضالين وهدايتهم، وإلى المنذرين الذين أصروا على ضلالتهم، تصدى لذكر نماذج فريدة في نوعها من كلا الفريقين، مما فيه عبرة وذكرى لكافة المؤمنين، وترويح وتسلية لخاتم الأنبياء والمرسلين: وأول اسم تصدر في هذا المقام اسم نوح " عليه السلام، فقال تعالى في شأنه:{وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ}، أي: بعد أن يئس نوح من هداية قومه ولم يؤمن معه إلا قليل، استغاث بنا واستنصر، {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}(٢٦: ٧١)، واستجبنا دعاءه ونصرناه عليهم، {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} أي: