فاستعبدوهم وأضلوهم، وظلموا أنفسهم، فرفضوا دين الحق الذي لا يقبل الله سواه، وافتتح كتاب الله هذا العرض بسؤال عجيب لا يجد له الأشقياء جوابا، وذلك قوله تعالى:{أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا}، أي: أنزل أصحاب الجنة ورزقهم خير، {أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ}، التي هي نزل أصحاب الجحيم، {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ}، أي: امتحانا لهم واختبارا، {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}، أي: ثمرها مكروه مستقبح، كما يكره الناس ويستقبحون صورة الشيطان، التي هي في خيالهم أشد الصور تجسيما للبشاعة والقبح. وكما اعتقد الناس في " الملك " أنه خير محض، فشبهوا به أحسن الصور وأجملها، اعتقدوا في " الشيطان " أنه شر محض، فشبهوا به أقبح الصور وأبشعها، ومن ذلك قوله تعالى على لسان صواحب يوسف في التشبيه بالملك:{مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ}، (٣١: ١٢)، ثم قال تعالى:{فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا}، أي: من شجرة الزقوم، {فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ}، أي: شرابا من الماء الحار، مشوبا ببعض الأخلاط الرديئة، مما يزيدهم عذابا على عذاب، وعقابا على عقاب، {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ}، مصداقا لقوله تعالى في آية أخرى (٤٤: ٥٥)، {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ* يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ}.
وتنبيها إلى عدل الله في عقابه للظالمين الذين ظلموا أنفسهم وظلموا غيرهم وظلموا ربهم، وتمسكوا بالتقليد الأعمى