صبره، وأن ينتظر حكم الله بينه وبين قومه، وذهب يونس يضرب في الأرض، فرارا من قومه، حتى انتهى به المطاف إلى شاطئ البحر، فوجد جماعة يعبرونه، وركب معهم سفينة مشحونة بالأثقال، غير أنه ما كادت سفينتهم المشحونة تمخر عباب البحر حتى هاجت عليها الأعاصير، وتلاطمت فوقها الأمواج، ولم يجدوا وسيلة للخلاص من الغرق إلا بالتخفيف من حمولتها، فأقرعوا بين ركابها، ووقعت القرعة على يونس، ثم أعيدت القرعة عدة مرات، لكن نتيجتها كانت مثل المرة الأولى، وضن الركاب به أن يلقوه في البحر، احتراما لمظهره المهيب، لكن يونس أدرك بنور إيمانه أن لله سرا وأي سر في " القرعة " التي خرج سهمها فيه، وفيما كتبه الله عليه، فألقى بنفسه في البحر راضيا مطمئنا، مستسلما لإرادة الله وحكمه الحكيم، فالتقمه الحوت لطفا من الله، حتى لا يموت غريقا، وأخذ الحوت يتقلب به في أعماق البحر وهو في بطنه، دون أن يقتطع منه لحما، أو يكسر له عظما، وكانت فرصة سانحة ليونس يدرك بها سر الله في البحر وقدرته الباهرة، كما أدرك سر الله وقدرته في البر، وأحس يونس أن فيما كتبه الله عليه نوعا من التأديب الإلهي على ما أقدم عليه من مفارقة قومه، والتوقف عن مواصلة رسالته بينهم، دون إذن سماوي صريح، فما وسعه -وهو في بطن الحوت لا يستطيع أن يفلت من قبضة الله- إلا الالتجاء إلى الله بالتضرع والدعاء والندم على ظلمه لنفسه، والتعلق بواسع عفو الله وخفي لطفه، فاستجاب الله دعائه، بعد أن نال ما قدره له من جزاء، وألقاه الحوت بأمر الله في أرض عراء، لا نبات بها ولا بناء، وأذن الله بإنبات شجرة عليه تظله بورقها،