وتطعمه من ثمرها، وما كاد يستعيد عافيته ويزول عنه السقم، حتى بادر للعودة إلى قومه مسرعا، واستأنف الرسالة السامية التي ألقاها الله على عاتقه، وكم كان سروره عظيما، وابتهاجه بالغا، عندما وجد أن الله قد حقق أمنيته، وأن قومه قد شرح الله صدورهم للإيمان، وهجروا الأصنام والأوثان، بمجرد ما شاهدوا نذر العذاب الذي كان أنذرهم به، فعرفوا صدقه وآمنوا برسالته، وذلك قوله تعالى في سورة الصافات التي نواصل تفسيرها:{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}، ويزيد هذه الآيات تفسيرا وتوضيحا قوله تعالى في سورة الأنبياء (٨٧): {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، وقوله تعالى في سورة (يونس) إحدى سور القرآن المسماة باسمه (٩٨): {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}.
ويظهر من السياق أن الحكمة المقصودة من الإتيان بقصة يونس كخاتمة لقصص الأنبياء والرسل، منذ عهد نوح عليه السلام، في هذه السورة المكية، هي ضرب المثل لخاتم الأنبياء والمرسلين، بمن سبقه من " أولي العزم " الأولين، وتحذيره من