ثم يشير كتاب الله إلى الخيبة التي يمنى بها " الطاغون " عندما يستقر بهم المطاف في جهنم، حيث لا يستدبرون مفاجأة إلا ليستقبلوا مفاجأة أدهى وأمر. نعم لقد كانوا في حياتهم يعتبرون {الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ}، عبارة عن منبوذين أشرار، لا يستحقون إلا السخرية والاستهزاء، وهاهم الآن يتساءلون عنهم في لهفة وحسرة: أين يوجد أولئك الرجال الذين كانوا يعدونهم أشرارا، هل هم يرافقونهم في جهنم لكن لا تقع عليهم أعينهم الزائغة؟ أم أنهم ليسوا في جهنم أصلا:{وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ}.
ويعقب كتاب الله على هذا الوصف الكاشف الذي يبرز حيرة الطاغين الخارجين عن طاعة الله، المكذبين لرسله، ويكشف الستار عما هم عليه من شقاق وخلاف وتضارب في الآراء، ولو في دار الشقاء، قائلا:{إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ}.
وتنتقل الآيات فيما بعد ذلك إلى قصة خلق آدم وسجود الملائكة له، امتثالا لأمر الله تعالى بتكريمه، وترشيحا لما أعدته له الأقدار من الخلافة في الأرض، وحمل أمانة التكليف التي عجزت عن حملها بقية المخلوقات، {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ}(٣٣: ٧٢)، وتنتهي القصة بالإشارة إلى أخطر سابقة في عالم الكبر والغواية، وهي سابقة إبليس اللعين: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ