وسيأتي في الربع المقبل ما يوضح أن ولادة عيسى بهذه الطريقة ليس فيها ما يدعو إلى أي استغراب، فقد سبقتها سابقة أخرى أقدم وأروع وأعجب، وقد سلم بها الجميع، ولم يستغربها أحد من الناس، ألا وهي خلق آدم أب البشر، الذي خلقه الله دون أم ولا أب، فميلاد عيسى بن مريم من أم دون أب يعتبر أقل غرابة، وأبعد عن إثارة الدهشة بالنسبة إلى خلق آدم، وذلك قوله تعالى:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}.
وهكذا يقف القرآن الكريم موقف الصدق والحق يرد لمريم العذراء اعتبارها، ويدفع عن عيسى بن مريم ما ألصقته به الخرافات والأساطير، فيغسل العار الذي ألحقه اليهود بمريم، ويرفع الوهم الذي ألحقه النصارى بعيسى ابن مريم، والظلم الذي ألحقوه بمقام العلي الأعلى، إذ جعلوا له الشريك والولد، وهو سبحانه {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.