الأمر، وعلى مثل هذا النوع من الذرية التي لا ينبغي أن يترك لها الحبل على الغارب ينطبق قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} وذلك حتى لا يستشري فيها الفساد، ويضيع منها الرشاد، فينطبق عليها حينئذ قوله تعالى:{إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}.
ولب اللباب الذي تدور حوله القصة المفصلة في هذا الربع أمران أساسيان:
الأمر الأول: الرد على اليهود وإبطال ما اتهموا به مريم العذراء بنت عمران وأم عيسى، وذلك قوله تعالى:{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} فإثبات القرآن الكريم لطهارة مريم إبطال لتهمة اليهود المغرضة، التي حاولوا إلصاقها بأم المسيح، ونقض لتهجمهم على عرضها من الأساس.
الأمر الثاني: الرد على النصارى، وتأكيد أن عيسى المسيح إنما هو ابن مريم وولدها، وليس ابن الله ولا ولده، كما يدعي النصارى، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وإثبات أن ولادة مريم لعيسى، دون أن يمسها بشر، أمر اقتضته حكمة الخالق البالغة، ونفذته قدرته الباهرة، التي لا يحدها حد ولا يقيدها قيد، وذلك قوله تعالى على لسان مريم نفسها {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.