الذي أبدع الأكوان، وخلق العوالم على غير مثال سبق، وجهزها بجميع ما قدر احتياجها إليه من النواميس والقوى والطاقات، تكفل هو سبحانه كذلك بإمدادها بعد إيجادها، وتعهد جل علاه بتدبيرها وصيانتها وحفظها من كل خلل، دون أن يؤثر ذلك كله على قدرته القاهرة، وحكمته الباهرة، في قليل ولا كثير.
ويتحدث كتاب الله مرة أخرى عن إعراض المشركين عن الحق، ويذكرهم بما آل إليه أمر عاد وثمود، وما تعرضوا له من عذاب الله، جزاء إعراضهم عن الإيمان به وبرسله، {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ * إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ}، ويصف استكبار عاد عن قبول دعوة الحق، كما يصف استهتار ثمود، وتنكرها لهداية الله:{فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}، روي أن عتبة بن ربيعة ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لينتقد عليه مخالفته لقومه، فلما تكلم عتبة قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:{حم}، ومر في صدرها حتى انتهى إلى قوله تعالى:{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}، فأرعد عتبة بن ربيعة، ووقف شعره، وأمسك على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وناشده بالرحم أن يمسك، وقال حين فارقه:(والله لقد سمعت شيئا ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة، ولقد ظننت أن صاعقة العذاب على رأسي).
وتصف الآيات الكريمة حال أعداء الله وحال أوليائه في الدار